حلـــــــــــــــم أوروك
خالد الخزرجي
شاعر
1) - أوروك - مَوّالُ هَوَيً
علي شفاه الليلِ والمطرْ
يهدرُ في غنائه الحزينِ
مثلَ طائرٍ يتيمْ ...
عافَتْهُ أمٌّ قبلَ أنْ يدركَها الوحامْ
الليلُ في -أوروك- قَفْرٌ
دونما نجومْ
ولا مسيرَ في قفارها
ولا عبورَ من ظلامها
لفجرها الذي تساقطتْ
جدائلُ النّدي
عنهُ ، فغابَ شادنٌ
وضاعَ لونها كما
تضيعُ قبضَةُ المياه في المياه ...
سألتُ عنها طائرَ الكنارِ
غابَ ، لم يعدْ يرفُّ أو يطيرْ
-أوروك- لم تعدْ مدينةَ النَّدي
والحبِّ والزهورْ ...
- أوروك- مثل قرطبةْ
مليكةٌ ، وحيدةٌ مغيَّبةْ
ما بين أسرِ قاتلٍ
ووحشَةٍ مغرَّبَةْ لو أنها تؤوبْ
لأهلها ... يفدونها بالمال والبنينْ
لو أنها تردُّ للمسيح فضَّةَ الصليبْ
أو ليتها عادتْ الي نطفتها
وهيّأتْ من نرجسٍ ملاجئاً
تأوي العصافيرُ اليها
بعد ليل النحسِ والشحوبْ
يا فجرها الحجرْ
ينثالُ من عَلٍ الي غيابة الحفرْ
يفيءُ كلُّ طائراليهْ ...
ويستردُّ لونهُ النّهرْ
تمثالها الصّدأْ من أيما رجأْ
ينزاحُ من طينٍ ومن غبارْ
كأنهُ الرمادْ طوفانها ابتدأْ
وخطَّ مجدَهُ الصعاليكُ
علي جناحِ غيمةٍ من الوبرْ
وأهلكَ النّسْلَ الخصيبَ
أهلكَ الشّجَرْ
(2) - أوروك - نبضُ الماءِ
في ضوء السَّحرْ
وبيدرٌ يسرقهُ الغزاةُ
يولمونَ من سنبلهِ
مائدةً للخمرِ والعشاءْ
ودَدْتُ لو نعبرُ من ضفافكِ الخضْرِ
اليكِ نزرعُ المكانَ زنبقاً
ونبدعُ المياهَ موجَةً
فموجةً
نسحُّ كالسماءِ بالمطرْ
- أوروك - يا مدائنَ النّضار والندي
نمرُّ من جراحنا اليكِ ،
يخضَلُّ المَدي
(3) همْ يمنعونَ الخُبزَ والهواءْ
عنها ويسرقون ضوءَها
وصحوها
وقمحها
ويهدرونَ نَسْلَها
ويحرقونَ زرعها
ويغصبونَ أهلها
- أوروك - هُمْ
يمارسونَ لعنةَ اغتيالنا
ويقتلونَ امَّةَ الرسولْ
ويذبحونَ صهْرَهُ
ونطفةَ الألهِ في البتولْ
ياربُّ أولاءِ هُمُ المغولْ
يزنونَ في سُراتها
أو يئدونَ ليلةَ الميلادِ
طفلها الوحيدَ والقَمرْ ! ...
يا ليلها الكئيبَ
يا مجمَّعَ السَّوادِ والضَّجَرْ
(4) - أوروك - حقلُ فضَّةٍ
يفيضُ من زَبَدْ
يغورُ في لُجتِهِ
كماءِ / دجلةَ / الشَّهَدْ
- أوروك - يا بلدْ
ينامُ بينَ نبضةِ الشهيقِ
والرَّمدْ
يا نجمها يغورُ في آمادها
تطفئهُ الحروبْ
يا قلبها ...
ينزفُ كالدموعِ في كمدْ
- أوروك - يا حفيفَ ليلكٍ
يطوفُ بين موجٍ
من زَرَدْ
خذي إليكِ
ضوءَ دمعتي اسْهري
كنجمةِ الليلِ معي
غريبةٌ ...
- أوروك - في المنفي تضيءُ
أو تموتُ وحدها
روحاً بلا جَسَدْ !
(5) جنائزٌ هذي البلادُ ،
فتنةٌ كبري ، وتابوتٌ ودمْ
خطيئةٌ تلبسَّتْ جلودنا
محضُ جنونٍ
ذلكَ التاريخُ مكتوبٌ
بسكينٍ ، ولعناتٍ وخمرْ
موجٌ من الطغيانِ والحروبِ
والنّكساتِ هذي الأمّةُ العرباءُ
تحيا أرذَلَ الأعوام في ذُلٍ
وفي ألمْ ... يا حبَّنا المحرومَ
عشنا أحلكَ الأيامِ
في دُوّامةٍ النَّدم
نمشي الي حتوفنا
علي حدود الخوفِ والسَّأمْ
الموتُ في - أوروك - بالمجّانِ
مَنْ نحنُ ؟
دويلاتٌُ يقودها اللصوصُ
للعدمْ ! ...
- أوروك - نهرٌ من دَمٍ
فاضَ علي أديم أرضٍ عافها النَّدي
وجهُكِ بهجَةُ الصباحِ ...
ضحكةُ الصَّدي
وفوحُ زهرٍ من خرير الماءِ
في جرارنا ،
وقُبْلَةٌ ...
علي جبين ليلٍ طّيبِ الشَّذي
- أوروك - يا مدينة السلام والهوي
يا ضوعَةَ الطيوبِ
تشمخينَ كالنخيلِ
تشرقينَ كالنجومِ
في وجه الرياح العاتياتِ
تبزغينَ كالقدرْ ! ...
(6) - أوروك - ضوءُ اللهِ
في الزمانْ ...
قنديلُ مهرجانْ
وضَوعُ رمانٍ علي
شفاهِ جلنارْ
تفاحةٌ - أوروك - أو
قصيدةٌ ...
نحفظها عن ظهر قلبْ
صلاةُ عيدٍ
كرنفالُ بهجةٍ
وميضُ عُرسٍ
صحوةٌ
ونفحُ برتقالْ
بَسْمَلةٌ
علي شفاه شاعرٍ
في زمن المُحالْ
وصوتُ تَصهال الحروفِ
رقصةٌ في عالم الخيالْ
- أوروك - صوتُ الله في ضمائر الرجالْ
(7) - أوروك يا أوروكْ
نافذةٌ للشمسِ تنسابُ علي
شقائق الزَّهرْ
بابانِ من زُمُرّدٍ ومن حجرْ
بابٌ لفجرٍ تُفْتَحُ الآنَ
بوجه الريحْ
يدخلُ منها الخارجون من بداوةٍ
الي حضارة التأريخْ ...
وآخرٌ يوصدُهُ الغزاةُ ليلَ الفتح والأعدامْ
تمخرُهُ سفائنُ الأفيونِ
والنفط وتجّار السلاحْ
لو أنها تشرعُ للطير نوافذ الصباحْ
ينامُ في بستانها الظليلْ
مبتهجاً كزهرة التفاحْ
يخضَلُّ من ضوء القمرْ
لو انه الموعودُ في جنّتها
يرفُّ فوق حقلها المضيءْ !
(8) - أوروك - يا براءةَ الأنسانْ
قاتلها من نسْلها
يفتَضُّ ورد الليّلك العطشانْ
قتيلُها مقدّسٌ وشعبها مقدّسٌ
وكلُّ ما فيها شهيٌّ طيّبٌ
لكنما الطغاةُ يخرسونَ صوتها ويشربونْ
دماءَها في كأس حنظلٍ ويذبحونْ
أقمارها (في الليلة الظلماءِ)
كلَّ عامْ ...
وليس يشبعونْ
من لحمها النّيّيء أو
من مائها وكنزها المدفونْ
ونفطها المسروق من أسواقها
في عالم الأرهاب والمجونْ
- أوروك - معني أول الأشياءِ
معني آخر الأشياءْ
إسمٌ من التأريخ صوتٌ واضحُ الأصداءْ
يخضَرُّ في الساحاتِ ،
كالأشجار يسبق المَدي
يبقي لنا في ذمة الأسفارِ
حلْماً مستحيلْ ...
وجْهُ أوروكَ يضيءُ لونَهُ الشَّجَرْ
رقراقةٌ جداولُ الماءِ
تفيضُ بالمطرْ
في الطُّرقاتِ تزهرُ الحقولْ
وتبدعُ المزارعُ الخضراءُ ألوانَ الصُّوَرْ - أوروك - يا آلهةَ الجمالِ والقمرْ
جئنا اليكِ عالماً
من نطفة الحبِّ
ومن حرارة الظمأْ
- أوروك - حُلْمٌ ظامئٌ
من قبلِ أنْ تنكسر القصيدة
أتي عليه الجدْبُ فانطفأْ
أيّانَ يوقدُ الظلامَ أو
يفلسفَ الوحامْ
عاريةٌ - أوروكُ -
خلف الكأس والنهارْ
يطلعُ من سُرّتها كخاتمٍ
من نارْ ...
ومن زبرجَدٍ
وجلنارْ
تنامُ كالعذراء في غرفتها
علي مخدّةِ الندي
يشرقُ من لُجَّتها محّارْ
:296: :296: :296: